الساعات الدمشقية واحدة من عجائب الآلات التي أدهشت الناظرين في مدينة دمشق، كان الدمشقيون يعلقون هذه الساعات في بعض الأماكن العامة، لاعتنائهم بالوقت وحرصهم على ضبط الزمن لمقاصد العبادات.
إذا علمت أن للمسجد الأموي أربعة أبواب فأضف إلى ذلك أن بابين من تلك الأبواب حمل كل منهما لقب (باب الساعات).
الباب الأول: الباب القبلي الذي يقع غربي حرم المسجد قرب الدار الخضراء التي كانت في يوم من الأيام قصر الخلفاء الأمويين، ثم دار حكومة النواب العباسيين، فكان لتلك البقعة من المكانة والشرف والسلطة ما كان، وزينها الدمشقيون بساعة عظيمة، ذكرها الرحالة المقدسي الذي زار دمشق سنة 376هـ في (أحسن التقاسيم)، وذكرها أحمد بن قاضي دمشق المتوفى 312هـ، وقد جاء الباب القبلي وساعاته في تاريخ ابن عساكر، وذكر وصف ساعة ابن زبر: (إنما سمي باب الجامع القبلي باب الساعات لأنه عمل هناك ساعات يعلم بها كل ساعة تمضي من النهار، فإذا تمت الساعة خرجت حية فصاحت العصافير وصاح الغراب وسقطت حصاة في الطست).
الباب الثاني: الباب الشرقي للمسجد (باب جيرون) هذا الباب الذي حظي بساعة ليست كأي ساعة، إذ كانت تحفة صناعية أطال في وصفها الرحالة ابن جبير فكان مما ذكره أنها ساعة كبيرة قد وضعت في غرفة عن يمين الخارج من باب جيرون، ولها هيئة طاق كبير مستدير فيه فتحات صفر (من نحاس) قد فتّحت أبواباً صغاراً على عدد ساعات النهار ودبّرت تدبيراً هندسياً، فعند انقضاء ساعة من النهار تسقط كرتان من فمي بازيين مصورين من صفر قائمين على طاستين من تحت كل واحدة منهما، والطاستان مثقوبتان، فعند وقوع الكرتين تعودان داخل الجدار إلى الغرفة، وتجد البازيين يمدان عنقيهما إلى الطاستين ويقذفانهما بسرعة بتدبير عجيب تتخيله الأوهام سحراً، ويسمع لذلك دوي عجيب، وينغلق الباب الذي هو لتلك الساعة للحين بلوح من النحاس، لا يزال كذلك عند انقضاء كل ساعة من النهار حتى تنغلق الأبواب كلها، وتنقضي الساعات، ثم تعود إلى حالها الأول..
وذكر ابن جبير تدبيراً هندسياً جميلاً لهذه الساعة في الليل حيث تحمّر دائرة كل باب مع انقضاء كل ساعة من أثر مصباح يدور به الماء على ترتيب مقدار الساعة ما يمكن الناظرين في الظلام من الانتفاع بهذه الآلة...
هذه الساعة التي وصفها ابن جبير كان يدير شؤونها مهندس دمشقي كبير هو أبو عبد الله محمد بن نصر القيسراني، وكان عالماً بالهندسة والفلك، ولما منّ الله على دمشق بالملك العادل المجاهد نور الدين الزنكي قصدها المهندس الميكانيكي محمد بن علي الخراساني مع من قصدها من العلماء فأسندت إليه إدارة الساعات بعد وفاة القيسراني.
والعجيب أن هذه الساعات لم تحتفظ بهيئة واحدة بل كان لكل عصر ساعته، فهذا ابن بطوطة يزور دمشق سنة 726 هـ ليقف على باب جيرون ويصف ساعته، ولكنها ساعة من لون آخر مخالف لوصف ابن جبير، فقال: (وعن يمين الخارج من باب جيرون هيئة طاق كبير في طيقان صفر، لها أبواب على عدد ساعات النهار، والأبواب مصبوغ باطنها بالخضرة وظاهرها بالصفرة، فإذا ذهبت ساعة من النهار انقلب الباطن الأخضر ظاهراً والظاهر الأصفر باطناً).
وقد قال بعضهم في وصف الأموي:
وببابه حركات ساعات إذا فتحت لها باباً تراجع مقفلاً
ويريك بازيها وكل قد رمى من فيه بندقة تصيب سجنجلاً
(سجنجل) كل سطح أملس صقيل.
وبعد الحديث عن ساعات الجامع الأموي، سأخبركم ببعض المعلومات عن ابن القيسراني:
شرف الدين أبو البقاء خالد بن عماد الدين إسماعيل بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن محمد بن خالد بن محمد بن نصر المخزومي الشافعي المعروف بابن القيسراني.
أصله من حلب ولد بعكا سنة (478هـ - 1085م) وتوفي في دمشق (548 هـ - 1153م).
شاعر مجيد له ديوان شعر صغير، تولى في دمشق إدارة الساعات التي على باب الجامع الأموي، ثم تولى في حلب خزانة الكتب.
والقيسراني نسبة إلى (قيسارية) في ساحل سورية، نزل بها فنسب إليها، وانتقل عنها بعد استيلاء الإفرنج على بلاد الساحل. ورفع ابن خلكان نسبه إلى خالد بن الوليد، ثم شك في صحة ذلك لأن أكثر علماء الأنساب والمؤرخين يرون أن خالداً انقطع نسله.
مختصرة من مقالة تاريخ دمشق الهندسي الساعات الدمشقية التي نشرت في جريدة تشرين، بينما أخذت المعلومات المتعلقة بابن القيسراني من موقع الحكواتي.