هناك ناحية أود أن أشير لها حول مركزية الأرض و الشمس.
كثيراً ما نتحدث عن مركزية الارض و الشمس و كيف كان الأقدمون يظنون "خطأً" أن الأرض في مركز الكون. و نحاول أن نكتشف من أول من قال بمركزية الشمس.
إن هذا النقاش فلسفي و ليس فلكي. النموذج الناجح هو النموذج القادر على تفسير الظواهر الملاحظة و التنبؤ بظواهر مستقبلية.
نموذج مركزية الأرض (كما وصفة بطليموس و لم يكن هو واضعه) استطاع أن يفسر جميع الظواهر في حينه مثل اقتران عطارد و الزهرة بالشمس، اقتران القمر بالأرض، توقف المريخ في السماء و تغيير جهة حركته بشكل دوري، الكسوف و الخسوف و غيرها من الظواهر.
مؤيدو مركزية الشمس أيضاً استطاعوا أن يفسروا نفس الظواهر بنفس النجاح. و ما أود ذكره هنا هو أن تبني أياً من النموذجين هو موضوع فلسفي.
كلا النموذجين اعتمد على فكرة أساسية و هي اعتماد الدوائر كوحدة هندسية وحيدة. لا أعتقد هنا أن من تبنى نموذج مركزية الشمس كان أذكى ممن تبنى مركزية الأرض. و خصوصاً إذا أردنا أن نكون دقيقين فليس هناك معنىً لأي من المركزيتين حيث أنه هناك في النهاية مركز ثقل تدور حوله الأجسام جيمعها و هو بدوره متغير تبعاً لتوضع الكواكب و الشمس و لو أخذنا بالاعتبار النسبية لأصبح الموضوع أعقد بكثير.
نموذج بطليموس لاحقاً تبنه الكنيسة و أضفت عليه طابعاً دينياً. و قد ترجم إلى العربية في القرن الثامن تحت عنوان المجسطي.
لقد كان هذا النموذج هو الأفضل لوصف حركة الأجرام في حينه. و في الحقيقة كان هناك من يعتبر و تمكن من تقديم نماذج للكون تكون الشمس في المركز، و لكن هذه النماذج لم تكن أكثر دقة من نموذج بطليموس.
رأيت عدة مقالات تتحدث عن ابن الشاطر عن أنه كان أول من تحدث عن مركزية الشمس. هذا غير صحيح البتة و اهمال لدور ابن الشاطر. لقد أدى تبسيط علوم الفضاء و الفلك إلى درك تطور نموذج الكون خلال ألفين عام ليبدو و كأنه مسألة هل الأرض في المركز أم الشمس في المركز...
لقد تبنى ابن الشاطر نموذج بطليموس و كان معجباً به. لكن ابن الشاطر الذي أجرى الكثير من الرصد لاحظ وجود خلل في النموذج! لم يلجأ ابن الشاطر إلى تتني نموذج آخر عن الكون تكون الشمس في المركز كما يكتب عنه (و هذه ليست نقطة سلبية بالطبع) بل طور النموذج بإضافة دوائر محيطية على المدارات (للأسف لم أستطع أن أصل إلى مراجع تبين لي التفاصيل) و هنا كان له الفضل في أنه تمكن من وضع نموذج رائد هو الأدق في حينه لوصف الكون و لو أنه كان مبنياً على مركزية الأرض و يعتمد هندسة الدوائر.
ماذا فعل كوبونيكوس؟ أيضاً هناك مقالات في الانترنت تتحدث عن سرقة كوبرنيكوس لابن الشاطر (ربما لهذا السبب هناك اعتبار أن ابن الشاطر تحدث عن مركزية الشمس و ذلك لأن الجيمع يعلم أن كوبرنيكوس تحدث عن مركزية الشمس)
كوبرنيكوس في عمله حول دوران الأجرام السماوية قدم نموذجاً تكون فيه الشمس في المركز و وصف حركة القمر على ما يبدو بنموذج رياضي شبيه جداً بنموذج ابن الشاطر (هناك الكثير من الملاحق العربية في كتاب كوبونيكوس و لكن لا وجود لابن الشاطر. هل كان كوبونيكوس على علم بابن الشاطر أم لا هو سؤال مفتوح).
لقد كان نموذج كوبرنيكوس أفضل من نموذج بطليموس (أي أدق منه) و لكنه لم يكن أفضل من نموذج ابن الشاطر (مع أن الأخير قال بمركزية الأرض) و لكنه كان أبسط منه رياضياً. نموذج بطليموس اعتمد ككل النماذج قبله على الدوائر كوحدة هندسية وحيدة.
كان هناك من يؤيد نموذج بطليموس المعدل و كان من يؤيد كربونيكوس و اختيار أحد النموذجين كان موضوعاً فلسفياُ. في الحيقية كانت الكنيسة هي من اشترطت أحد النموذجين حين قالت – لا يمكن أن تكون الأرض متحركة... علم الفلك كان قادراً بنماذج مختلفة أن يفسر الظواهر بنفس النجاح.
فرضية ثبوت الأرض و مركزيتها تهدمت كلياً بفضل غاليلو الذي بالتجربة أثبت حركتها (نواس غاليليو و تلسكوب غاليليو). بينما كبلر قضى على اعتبار فعلاً ساد على جيمع النماذج الفلكية و هو اعتمادها الكلي على الدوائر حيث قال أن المدارات هي قطوع ناقصة.
أعتقد أن هذه المقالة الصغيرة لي ستساعدنا على وضع النقاط على الحروف في هذه المسألة التي طالما اختلطت فيها الأمور.
و بالمناسبة عندي وظيفة. (وظيفة لي أيضاً حيث لم أستطع ايجادها حتى الآن) – نموذج ابن الشاطر بالتفصيل يا شباب! وين بالضبط حط ابن الشاطر الدوائر المحيطية تبعاته...